الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مقتل صدقة بن مزيد. ولما استوحش صدقة بن مزيد صاحب الحلة من السلطان محمد سار إليه السلطان وملك أعماله ولقيه صدقة فهزمه السلطان وقتل في المعركة كما ذكرنا ذلك في أخبار صدقة في دولة ملوك الحلة والله سبحانه وتعالى أعلم..قدوم ابن عمار صاحب طرابلس على السلطان محمد. كان فخر الدولة أبو علي بن عمار صاحب طرابلس استبد بها على العبيدين فلما ملك الافرنج سواحل الشام رددوا عليها الحصار فضافت أحوالها فلما انتظم الأمر للسلطان محمد واستقام ملكه قصده فخر الملك بن عمار صريخا للمسلمين بعد أن استخلف على طرابلس ابن عمه ذا المناقب وفرق في الجند عطاءهم لستة أشهر ورتب الجامكية في مقاعدهم للقتال وسار إلى دمشق فلقيه طغتكين أتابك وخيم بظاهرها أياما ورحل إلى بغداد فأركب السلطان الأمراء لتلقيه ولم يدخر عنه برا ولا عرامة وكذلك الخليفة وأتحف السلطان بهدايا وذخائر نفيسة وطلب النجدة وضمن النفقة على العسكر فوعده بالنصر وأقام ثم لقي الأمير حسين بن أتابك طغتكين ليسير بالعساكر إلى الموصل مع الأمير مودود لقتال صدقة وجالوي ثم يسير حسين معه إلى الشام ثم رحل السلطان عن بغداد سنة إحدى وخمسمائة لقتال صدقة واستدعى ابن عمار وهو بالنهروان فودعه وسار معه الأمير حسين إلى دمشق وكان ابن عمار لما سار عن طرابلس استخلف عليها ابن عمه ذا المناقب فانتقض واجتمع مع أهل طرابلس على إعادة الدولة العلوية وبعثوا إلى الأفضل ابن أمير الجيوش المستبد على الدولة بمصر بطاعتهم ويسألون الميرة فبعث إليهم شرف الدولة بن أبي الطيب واليا معه الزاد من الأقوات والسلام فدخل البلد وقبض على أهل ابن عمار وأصحابه واستصفى ذخائرهم وحمل الجميع إلى مصر في البحر..استيلاء مودود بن أبي شكين على الموصل من يد جاولي. قد تقدم لنا استيلاء جاولي على الموصل من يد قلج بن أرسلان وابن جكرمش وهلاكهما على يده واستفحل ملكه بالموصل وجعل السلطان محمد ولاية ما يفتحه من البلاد له فقطع الحمل عن السلطان واستنفره لحرب صدقة فلم ينفر معه وداخل صدقة بأنه معه فلما فرغ السلطان من أمر صدقة بعث مودود بن أبي شكين في العساكر وولاه الموصل وبعث معه الامراء ابن برسق وسقمان القبظي وأقسنقر البرسقي ونصر بن مهلهل بن أبي الشوك الكردي وأبو الهجاء صاحب أزبل مددا فوصلوا وخيموا عليها فوجدوا جاولي قد استعد للحصار وحبس الاعيان وخرج عن البلد وترك بها زوجته هي وابنه برسق في ألف وخمسمائة مقاتل فأحسن في مصادرة الناس واشتد عليهم الحصار فلما كان المحرم سنة اثنتين خرج بعض الحامية من فرجة من السور وأدخلوا منها مودود والعساكر وأقامت زوجة جاولي بالقلعة ثمانية أيام ثم استأمنت وخرجت إلى أخيها يوسف بن برسق بأموالها واستولى مودود على الموصل وأعمالها وأما جاولي فلما سار عن الموصل حمل معه القمص الذي كان أسر بنعمان وأخذه منه جكرمش وسار به إلى نصيبين وسأل من صاحبها أبو الغازي بن أرتق المظاهر على السلطان فلم يجبه إلى ذلك ورحل عن نصيبين إلى ماردين بعد أن ترك ابنه مقيما مع الحامية فتبعه جاولي ودخل عليه وحده بالقلعة متطارحا عليه فأجابه وسار معه إلى نصيبين إلى سنجار وحاصراها فامتنعت عليهما ثم هرب أبو الغازي ليلا إلى نصيبين وتركه فسار جاولي إلى الرحبة وأطلق القمص بردويل لخمس سنين من الصرة على مال قرره عليه وأسرى من المسلمين يطلقهم وعلى النصرة مهما طلبه وأرسله إلى سالم بن مالك بقلعة جعفر حتى جاء ابن خالته جوسكر صاحب تل ناشز من زعماء الفرنج وكان أسر مع القمص فاقتدى بعشرين ألف دينار وأقام جوسكر رهينة وسار القمص إلى انطاكية ثم أطلق جاولي جوسكر وأخذ رهنا عنه صهره وصهر القمص وبعثه في إتمام ما ضمن ولما وصل إلى انطاكية أعطاه شكري صاحبها ثلاثين ألف دينار وخيلا وسلاحا وغير ذلك كانت الرها ومروج بيد القمص ولما أسر ملك جكرمش الرها من أصحابه طلبها منه الآن فلم يجبه فخرج القمص مغاضبا له ولحق بتل ناشز وقدم عليه جوسكر عندما أطلقه جاولي ثم سار إليهما شكري يعاجلهما قبل اجتماع أمرهما فحاصرهما أياما ورجع القمص وجوسكر على حصون شكري صاحب انطاكية واستمد أبو سيل الأرمني صاحب رعيان وكيسوم والقلاع شمالي حلب فأنجدهم بألف فارس وسار إليهم شكري وحضر البترك وشهد جماعة من القسيسين والبطارقة أن أسمند خال شكري قال له عند ما ركب البحر إلى بلاده أعد الرها إلى القمص إذا خلص من الاسر فحكم البترك بإعادتها فأعادها تاسع صفر من السنة وعبر القمص الفرات ليرفع إلى جاولي المال والاسرى كما شرط له وكان جاولي لما أطلق القمص سار إلى الرحبة ولقيه أبو النجم بدران وأبو كامل منصور وكانا مقيمين بعد قتل أبيهما عند سالم بن مالك فاستنجداه ووعداه أن يسير معهما إلى الحلة واتفقوا على تقديم أبي الغازي تكين ثم قدم عليهم أصبهبز صباوو وقد أقطعه السلطان الرحبة فأشار على جاولي بقصد الشام لخلوها عن العساكر والتجنب عن العراق وطريق السلطان فقبل إشارته وأحصر على الرحبة ثم وفد عليه صريخ سالم بن مالك صاحب قلعة جعفر يستغيث به من بني نمير وكان حيوش البصري قد نزل على ابن سالم بالرقة وملكها وسار إليه رضوان من حلب فصالحه بنو نمير بالمال ورجع عليهم فاستنجد سالم الآن جاولي فجاء وحاصر بني نمير بالرقة سبعين يوما فأعطوه مالا وخيلا ورحل عنهم واعتذر لسالم ثم وصل جاولي الى الأمير حسين بن أتابك قطلغ تكين كان أبوه أتابك السلطان محمد بكنجة فقتلته وتقدم ولده هذا عند السلطان وبعثه مع ابن عمار ليصلح أمر جاولي وتسير العساكر كلها إلى الجهاد مع ابن عمار فأجاب جاولي لذلك وقال لحسين سر إلى الموصل ورحل العساكر عنها وأنا أعطيك ولدي رهينة وتكون الجباية لوال من قبل السلطان فجاء حسين إلى العساكر قبل أن يفتحوها فكلهم أجاب إلا الأمير مودود فإنه إمتنع من الرحيل إلا بإذن من السلطان وأقام محاصرا لها حتى افتتحها وعاد ابن قطلغ إلى السلطان فأحسن الإعتذار عن جاولي وسار جاولي إلى بالس فملكها من أصحاب رضوان بن تتش وقتل جماعة من أهلها فيهم القاضي محمد بن عبد العزيز بن الياس وكان فقيها صالحا ثم سار رضوان بن دقاق لحرب جاولي واستمد شكري صاحب انطاكية فامده بنفسه وبعث جاولي إلى القمص بالرها يستمده وترك له مال المفاداة فباء إليه بنفسه ولحقه بمنبج وجاء الخبر إلى جاولي باستيلاء مودود وعساكر السلطان على الموصل وعلى خزائنه فاضطرب أمره وانفض عنه كثير من أصحابه منهم زنكي بن أقسنقر وبكتاش وبقي معه أصبهبذ صباوو وبدران بن صدقة وابن جكرمش وانضم إليه كثير من المتطوعة ونزل تل ناشر وأتى عسكر رضوان وشكري وكاد أن يهزمهم لولا أن أصحابه ساروا عنه وسار في أتباعهم فأبوا عليه فمضى منهزما وقصد أصبهبذ الشام وبدران بن صدقة قلعة جعفر وابن جكرمش جزيرة ابن عمر وقتل من المسلمين خلق ونهب صاحب انطاكية سوادهم وهرب القمص وجوسكر إلى تل ناشر وكان المنهزمون من المسلمين يمرون بهم فيكرمونهم ويجيزونهم إلى بلادهم ولحق جاولي بالرحبة فلقي بها سرايا مودود صاحب الموصل وخفي عنهم فأرتاب في أمره ولم ير الخير له من قصد السلطان محمد ثقة بما ألقى إليه حسين بن قطلغ تكين في شأنه فأوغر في السير ولحق بالسلطان قريبا من أصبهان ونزل حسين بن قطلغ فدخل به إلى السلطان فأكرمه وطلب منه بكتاش ابن عمه تتش واعتقله بأصبهان.
|